الاثنين، 4 أبريل 2011

ويومئذ يفرح المؤمنون ...بنصر الله

مضى أسبوع الصمود، أسبوع طويل جداً كان عامرا بالصبر والدعاء بالنصر، مشحوناً باّلام الفراق، متوجا بالتفاؤل و حسن الظن بالله .
إنه يوم الخميس العاشر من فبراير والذي لم يكن كغيره من أيام الثورة، كان كما بدا لنا يوم النهاية، نهاية النظام المستبد الذي جثم على أرض مصر منذ ثلاثين عاماً.
لم يعد ميدان التحرير هو وحده خارج سيطرة النظام، وإنما أضربت الهيئات والمؤسسات عن العمل، اعتصم سائقو مترو الأنفاق وتوقفوا عن العمل، توقفت الحافلات بعرض الشوارع لتسد الطرق وقد أعلن سائقوها الإضراب التام .
وبدأ القدر يبتسم عندما انعقد اجتماع المجلس الأعلى للقوات المسلحة دون قائده الأعلى المدعو محمد حسني مبارك، كما تم الإعلان عن خطاب سيلقيه سيادته في خلال ساعات.
أيقن الجميع أنه النصر، بدأ الناس يتبادلون التهاني، وراحت السيارات تجوب الشوارع مطلقة أبواقها بنغمات الفرح، بل إن الناس جهزوا المشروبات والحلوى لتوزيعها بعد سماع خطاب اللا مبارك الذي سيكون بلا أدنى شك خطاب التنحي.
وبعد ساعات من الانتظار بدأ الخطاب، جلست أمام التلفاز لأشاهده و ليتني لم أشاهده......
لقد فاق ذلك الخطاب جميع التوقعات، وحطم كل الاّمال......
لم يتنح مبارك !!! رغم كل مايحدث فهولايزال عند رأيه وأقصى ما يمكنه تقديمه أن لا يترشح لفترة رئاسية أخرى!!!
يا إلهي .. أكاد أُجن !! لست وحدي بل إن شعب مصر كله كاد أن يفقد عقله أو أن يصاب بسكتة قلبية!!
الثوار في التحرير يرفعون الأحذية لهذا الخطاب المستفز ويتحرك جزء منهم من الميدان لمحاصرة مبنى الإذاعة والتليفزيون بماسبيرو.
أما أنا، فقد أصبت باكتئاب شديد، دلفت إلى غرفتي في حالة يأس تام وجلست أفكر، ما الذي يجعل هذا اللا مبارك يتصرف بهذا الجبروت؟ ألا يخشى ردود أفعال شعبه الذي خرج عن سيطرته تماماً ؟ أم أنه دبرجيدا قبل أن يلقي هذا الخطاب وأعد خطة جديدة لإخماد الثورة ؟ ترى ماذا دبر لنا ؟ هل سيقصفنا بالطائرات ؟ هل سيستعين بإسرائيل ؟ هل استأجر مرتزقة فضائيين من كوكب بلوتو؟
أفكار شيطانية ظلت تراودني حتى تذكرت قوله تعالى (ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين) 
يا إلهي ، لقد أنساني الشيطان ذكر ربي فخوفني من مكرهم وأنساني أن الله خير الماكرين، توجهت إلى الله بالدعاء اللهم إنهم يمكرون ويمكرون وأنت خير الماكرين، اللهم فامكر لنا ، اللهم إنهم يدبرون وإننا لا نحسن التدبير، فدبر لنا امرنا واجعل تدبيرهم تدميرهم
ظللت أدعو حتى امتلأت نفسي عزيمة وقوة ، استعددت للخروج غدا، ولكن ليس إلى ميدان التحرير هذه المرة، بل إلى قصر الرئاسة.
وكما الجمعتين المباركتين الماضيتين، كانت هذه الجمعة، ما أن قضيت الصلاة حتى سارت الجموع الغفيرة تطالب بخلع الرئيس.
مشيت في مسيرة نحو القصر، كنت أرى في عيون من حولي نفس ما يجتاح صدري ... لن نعود إلا منصورين.
الهتافات تتعالى ، و الحماس لا يوصف.
وصلنا إلى منتصف طريق صلاح سالم ، اعترضتنا دبابة، نزل منها الجنود ووضعوا حواجز حديدية، وأغلقوا الطريق تماما.
حاولنا الحديث معهم ولكن دون جدوى، جعلنا نهتف مطالبين بالمرور ولكن أيضا دون جدوى، عندها أمسك أحد الشباب بمكبر الصوت وقال كلمة عظيم جدا... كفو عن سؤال البشر، ولنسأل الله ، فلنتجه جميعا نحو القبلة ولنصل ركعتين وندعوا الله بالنصر.
وفعلا ، وقف ذلك الجمع بين يدي الله رافعا أكف الضراعة، وظل ذلك الشاب يدعوا ونحن نؤَمن.
انتهينا من الصلاة فافترشنا الأرض وقررنا أن ألا نبرح أماكننا، سنجعل من طريق صلاح سالم تحريرا ّخر، بل سنحول كل ميادين مصر وشوارعها إلى ميدان التحرير.
أجرينا اتصالات مع المرابطين في ميدان التحرير وطلبنا منهم المساعدة فأرسلوا لنا مددا قوامه ألف رجل!!!
وانتشرت بسرعة روح المدينة الفاضلة فيما بيننا، بدأ الناس يكتبون اللافتات ويوزعونها، وبدأوا يوزعون الطعام والشراب، بل إنهم أعدوا وليمة للضيوف القادمين من ميدان التحرير!!
بدأت السماء تمطر، جلست أعرض نفسي للمطر وأدعوالله حتى خطرت لي خاطرة ...
تذكرت قوله تعالى (إذ يغشيكم النعاس أمنة منه وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ويذهب عنكم رجز الشيطان)
لعل هذه الأمطار علامة النصر ، كما أنزل الله هذه الأمطار على أهل بدر فثبت أقدامهم ونصرهم...
اللهم نصرا كنصر بدر هكذا ظللت أدعوا حتى صلاة العصر، صليت العصر ثم جلست أتلوا القران ألتمس ساعة الإجابة في هذا اليوم المبارك .
غربت الشمس وارتفع اّذان المغرب، أحسست برغبة في الصلاة في المسجد ، تركت متاعي مع إخوتي المرابطين ومشيت إلى مسجد قريب، وهناك صليت اّخر صلاة في عهد الاستبداد.
لقد كنت في التشهد الأخير من صلاة المغرب عندما ارتفعت الأصوات خارج المسجد، سلمت عن يميني وعن شمالي ثم توجهت مسرعة إلى باب المسجد فوجدت مجموعة من الفتيات يركضن نحوي لا تسعهن الفرحة وهن يقلن لي لقد تنحى حسني مبارك...
ليست إشاعة هذه المرة إنها حقيقة .
عدت إلى مُصلاي وسجدت سجدة شكر، وكذلك فعل من حولي، صليت ركعتي السنة ثم خرجت إلى الشارع لأرى لأول مرة في حياتي مصر وهي حرة.
الألعاب النارية تضيء السماء، صيحات التكبير تعلو، أعلام مصر ترفرف، الناس يتعانقون، الأطفال يرقصون، وكذلك الكبار، الشباب يصعدون فوق الدبابات، يقبلون رؤوس جنود الجيش، الحلوى توزع، الفرحة تغمر الأجواء.
وقفت أتأمل كل هذا بسعادة غامرة، الحمد لله أن أتم علينا نصره، هنيئا لمصر، هنيئا لكم الحرية أيها الأبطال، هنيئا لكل من رابط في الميدان،هنيئا لكل من بات ساجدا يدعو بالنصر والتمكين، هنيئا لكل من قضى ليله يذود عن ماله وعرضه، هنيئا هنيئا لكم، طوبى للشهداء، وتعساً للجبناء، وتعساً لكم أيها المنافقون المثبطون المحبطون، تعساٍ لكم أعداء الثورة، تعسا لكم وأضل أعمالكم ، لا مقام لكم اليوم، اليوم يومنا، يوم المؤمنين، يوم المجاهدين، يوم الأحرار .
كفى أن كلاً منكم الان يقول ياليتني كنت معكم فأفوز فوزا عظيما، موتوا بغيظكم ليس، الفوز لأمثالكم.
الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض نتبوأ منها حيث نشاء.


من ثمانية عشر يوم فقط خرجت أقول في نفسي لحكومة الفساد (إن موعدكم الصبح أليس الصبح بقريب... فعلا كم كان الصبح قريبا ، قريبا جدا. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق