الاثنين، 4 أبريل 2011

يوم ليس كالأيام ...

هكذا بدأت أنا تلك الأيام عندما كتبت هذه العبارة " إن موعدكم الصبح ... أليس الصبح بقريب " في صفحة الـ facebook الخاصة بي ليلة الخامس و العشرين من يناير ، كتبتها موجهة إلى حكومة الفساد بعد أن عزم شباب مصر الأحرار الخروج إلى الشوارع في ذلك اليوم متظاهرين ضد الظلم والفساد.
لم يدر بخلد أحد أن الخامس والعشرين من يناير والذي كان يتزامن مع مايسمى بعيد الشرطة سيكون تاريخا لبداية ثورة عظيمة تنتزع هي حق الاحتفال بذلك اليوم .
خرجت يومها و أنا أعلم أني قد لا أعود .. رتبت غرفتي .. تركت وصيتي .. وكتبت رسالة نصية قصيرة محتواها "تم القبض على" لتكون جاهزة للإرسال إلى عدة أرقام كان قد تم نشرهاعلى الـ  facebook ... جهزت حقيبتي ، بطاقتي الشخصية ، مبلغ من المال و طبعا كمية من ساندوتشات الفول و الطعمية !!!
وانطلقت ....
لقد بدا اليوم عاديا بغض النظرعن  بعض سيارات الأمن المركزي التى تراصت في عدة شوارع رئيسية كان قد تم الاتفاق على جعلها مراكزاً لتجمع المتظاهرين ، وفي تمام الثانية ظهرا بدأ الشباب بالتجمع ثم الهتاف و الهتاف و زادت الأعداد و تعالت الأصوات و تضاعفت أعداد جنود الأمن المركزي الذي شكلوا حلقات بشرية لتطويق المظاههرين و لكنهم لم يأبهوا ، و ظلوا يتابعون هتافهم و يحثون المارة على الإنضمام ، ليس المارة فقط ، بل و المتفرجين من النوافذ الذين تباينت ردود أفعالهم مابين مشجع ( لكن من فوق بس ) وبين منزعج ينظر باشمئزاز لسان حاله يقول "غورو يا شوية صيّع قلقتونا يوم الأجازة...ابقو قابلوني لو عملتو حاجة"
وكانت هذه الفئة الأخيرة غالبا من كبار السن اللذين لم يكتفوا بنظراتهم المشمئزة عندما طال وقت التظاهر بل أخذوا يشتمون الشباب بل و يلقون عليهم الماء أيضا !
لم نلق بالاً لمعارضة أهل النوافذ و جعلنا نهتف بكل حماس " اّه يا حكومة هز الوسط .. أكلتينا العيش بالقسط " ، " كيلو العدس بعشرة جنيه .. و متر مدينتي بنص جنيه " ، " يا حرية فينك فينك .. أمن الدولة بينا و بينك .. يا حرية فينــ ....... و فجأة ... و بمنتهى الغدر .....
اندفع جنود الأمن المركزي بعصيهم يوزعون من يمسكونه ضربا و ركلا ثم يسحبونه و يكبلونه و يلقونه في سياراتهم .
ركض المتظاهرون في كل الاتجاهات ، و تدافعوا و تدافعوا ... كنت وقتها أحاول الوصول إلى أحد جانبي الشارع لكنني وقعت أرضا من شدة التدافع و كُسرت نظارتي ، و بينما كنت أحاول النهوض و جدت شاباً ملقاً على الأرض و قد انقض عليه ثلاثة من جنود الأمن يضربونه بأقدامهم وعصيهم ، وهنا أغمضت عيناي  وانتظرت عصاً تهشم رأسي ، و لكن سرعان ما فتحت عيناي  ونهضت و قد أدركت أنهم لن يتعرضوا للنساء - أو هكذا اعتقدت -  وعندها وقفت بكل بسالة أمام أولئك الجنود اللذين كادو يحطمون عظام ذلك الشاب  و صرخت في وجوههم بقوة " سيبووووه ... حرام عليكم ... ربنا أكبر منكم .. قادر ياخدكم كلكم ... حرام عليــ...
 وإذا بهم ينظرون إلى و يرفعون عصيهم لضربي ،  وقتها كنت على يقين بأن الجبن هو سيد الأخلاق ، وركضت هاربة أقول في نفسي " و انا اللي كنت فاكراهم مش هيمدو إيدههم على بنات !" ... قلتها و أنا اّوي إلى ركن ألتقط فيه أنفاسي ، و بأصابع مرتجفة استخرجت هاتفي من جيبي لأحاول التقاط بعض الصور لما أراه أمامي من انتهاكات ، و ما أن وجهت عدسة الكاميرا حتى رأيت فتاتاً تبعدني بحوالي متر ترتدي الألوان الثلاثة الممثلة لعلم مصر تحاول هي أيضا التصوير ، و إذا بجنود الأمن يهجمون عليها ، وعندها..  لم يكن الجبن سيد الأخلاق ، بل كنت أنا سيدة الجبناء !!!
خبأت هاتفي و ركضت مبتعدة ثم اختبأت ...  وقفت أنظر من طرف خفي إلى الشباب الذين يسحبون على الأرض ويضربون ، و إلى الجموع التي تفرقت ، و إلى الشوارع التي كانت مكتظة منذ لحظات بشباب حر أبيّ ، مفعم بالحماس ، يتطلع إلى مستقبل أفضل  وقد أصبحت خاوية على عروشها إلا من بعض الجرحى اللذين يُقتادون في دمائهم إلى ما يسمى بسيارة الترحيلات .
لقد هدأ الشارع تماما ، و أغلقت المحال التجارية ، و رحل الجميع..
لقد أجهضوا مظاهرتنا... لقد اغتالوا أحلامنا ...
كنت أعود أدراجي بخطوات ضعيفة بائسة عندما تلقيت مكالمة هاتفية علمت منها أن جموعاً من المتظاهرين خرجوا من الشوارع المتفق عليها و توجهوا نحو ميدان التحرير، ومن هنا بدأت الحكاية ... حكاية عزة و كرامة و إباء ... حكاية كان بطلها ميدان التحرير..

هناك 3 تعليقات:

  1. وصف دقيق حسيت انى كنت معاكو تخيلت المشهد بكل حركه وكلمه حتى الاحساس وصلنى

    ردحذف
  2. كتابة رائعة.. ذكريات تاريخية

    ردحذف
  3. very nice .. i like it

    ردحذف